فصل: من فوائد القاسمي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.أسئلة وأجوبة:

.سؤال: لم عبر بالأمر، دون أن يقال: فأماتهم الله ثم أحياهم؟

الجواب: إنما عبر بالأمر، دون أن يقال: فأماتهم الله ثم أحياهم ليكون أدل على نفوذ القدرة وغلبة الأمر، فإن التعبير بالإنشاء في التكوينيات أقوى وآكد من التعبير بالإخبار كما أن التعبير بصورة الإخبار الدال على الوقوع في التشريعيات أقوى وآكد من الإنشاء، ولا يخلو قوله تعالى: {ثم أحياهم} عن الدلالة على أن الله أحياهم ليعيشوا فعاشوا بعد حياتهم، إذ لو كان إحياؤهم لعبرة يعتبر بها غيرهم أو لإتمام حجة أو لبيان حقيقة لذكر ذلك على ما هو دأب القرآن في بلاغته كما في قصة أصحاب الكهف، على أن قوله تعالى بعد: {إن الله لذو فضل على الناس}، يشعر بذلك أيضا. اهـ.

.سؤال: فإن قلت كيف أميت هؤلاء مرتين في الدنيا وقد قال الله تعالى: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} [الدخان: 56]؟

قلت: إن موتهم كان عقوبة لهم كما قال قتادة.
وقيل: إن موتهم وإحياءهم كان معجزة من معجزات ذلك النبي ومعجزات الأنبياء خوارق للعادات، ونوادر فلا يقاس فيكون قوله: {إلاّ الموتة الأولى} عامًا مخصوصًا بمعجزات الأنبياء أي إلاّ الموتة الأولى التي ليست من معجزات الأنبياء ولا من خوارق العادات. اهـ.

.سؤال: لم إظهارُ الناس في مقام الإضمار؟

الجواب: إظهارُ الناس في مقام الإضمار لمزيد التشنيع. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

لمّا استبعدوا قدرة الله في الإعادة أراهم في أنفسهم عيانًا، ثم لم ينفع إظهار ذلك لِمَنْ لم يشحذ بصيرته في التوحيد. ومن قويت بصيرته لم يضره عدم تلك المشاهدات فإنهم تحققوا بما أُخْبِرُوا، لِمَا آمنوا به بالغيب. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ}.
أي متآلفون مجتمعون، خرجوا في وقت واحد فارين من الموت، والرؤية إما بصرية أو علمية لكن العلمية لا تتعدى بإلى فلذلك قال أبو حيان: المعنى لم ينته علمك إلى الذين خرجوا من ديارهم.
قال ابن عرفة: وكذا البصرية ممتنعة هنا فإن أولئك غير موجودين حين الخطاب لكن نزل الماضي منزلة الحاضر تحقيقا له حتى كأنه مشاهد كما قال سيبويه، وهذا باب كذا. وفرق في الإرشاد بين نظر في كذا وهو النظر الفكري فجعله يتعدى بفي.
قوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ}.
أورد الزمخشري هنا سؤالا فقال: كيف قال لهم الله: {مُوتُوا} وكان الأصل فأماتهم الله.
قال ابن عرفة: هذا السؤال إنّما يرد على مذهبه لأنه ينفي الكلام النفسي.
وأجاب بأنه عبارة عن سرعة التكوين وزاد فيه تدقيقا لمذهبه بقاعدة إجماعية وهي قول الله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وهذا بناء على خطاب المعدوم وهل يصح أم لا؟
قال ابن عرفة: وهنا إضمارٌ أي: فماتوا ثم أحياهم.
قوله تعالى: {إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس}.
فضله عام باعتبار الكم وباعتبار الكيف فالكم راجع إلى تكثير أعداد النعم والكيف راجع إلى حالها في أنفسها، والناس عام، فالكافر منعم عليه في الدنيا وأما في الأخرة فمحل نظر. والاستدراك في قوله: {ولكن أَكْثَرَ الناس} راجع إلى لازم قوله: {لَذُو فَضْلٍ} فإن من لوازم فضله على الناس أن يشكروه ويحمدوه فلذلك استدرك بعده بلكن. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ} أي: ممن تقدمكم من الأمم: {مِن دِيَارِهِمْ} أي: التي ألفوها لما وقع فيها مما لا طاقة لهم به من الموت. ولفظة: {أَلَمْ تَرَ} قد تذكر لمن تقدم علمه، فتكون للتعجيب والتقرير والتذكير- كالأحبار وأهل التاريخ- وقد تذكر لمن لا يكون كذلك. فتكون لتعريفه وتعجيبه.
قال الراغب: رأيت يتعدى بنفسه دون الجار. لكن لما استعير ألم تر لمعنى ألم تنظر عدى تعديته بإلى وفائدة استعارته: أن النظر قد يتعدى عن الرؤية، فإذا أريد الحث على نظر ناتج لا محالة للرؤية استعيرت له، وقلما استعمل ذلك في غير التقرير فلا يقال: رأيت إلى كذا.
{وَهُمْ أُلُوفٌ} أي: في العدد جمع ألف، أو وهم مؤتلفون ومجتمعون مع آلف، بالمد- كشاهد وشهود- أي: إن خروجهم لم يكن عن افتراق كان منهم ولا تباغض، ولكن: {حَذَرَ الْمَوْتِ} مفعول له- أي: قرار منه. وقوله: {فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ}، معناه: فأماتهم، وإنما جيء به على هذه العبارة؛ للدلالة على أنهم ماتوا ميتة رجل واحد بأمر الله ومشيئته، وتلك مشيته خارجة عن العادة كأنهم أمروا بشيء فامتثلوه امتثالًا من غير إباء ولا توقف، كقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82].
{ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} عطف. إما على مقدر يستدعيه المقام، أي: فماتوا ثم أحياهم- وإنما حذف للدلالة على الاستغناء عن ذكره لاستحالة تخلف مراده تعالى عن إرادته، وإما على قال لما أنه عبارة عن الإماتة: {إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} قاطبة. أما أولئك فقد أحياهم ليعتبروا بما جرى عليهم فيفوزوا بالسعادة، وأما الذين سمعوا قصتهم فقد هداهم إلى مسلك الاعتبار والاستبصار، فقد تفضل على الجميع ليشكروه: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ}، أي: فضله كما ينبغي.
تنبيه:
روي عن ابن عباس: أن الآية عُني بها قوم كثيرو العدد، خرجوا من ديارهم فرارًا من الجهاد في سبيل الله فأماتهم الله ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا عدوهم. فكأنها كرت ممهدة للأمر بالقتال بعدها في قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
ومعلوم أن سورة البقرة مما نزل في المدينة إثر الهجرة قبل فتح مكة. وكان العدو في مكة وما حولها في كثرة وقوة ومنعة، فأمر المسلمون المهاجرون ومن آواهم أن يقاتلوا في سبيل الله. وقص لهم من الأنباء ما فيه بعث لهم على الجهاد وتبشير لهم بالفوز والعاقبة. وأن يكونوا في قلة وضعف، ما داموا مستمسكين بحبل الوفاق والصبر والمصابرة. وقد ذهب بعض الرواة إلى أن هذه الآية عني بها ما قص في التوراة عن حزقيل- أحد أنبياء بني إسرائيل- أنه أوحى إليه أن يخرج إلى فلاة واسعة قد ملئت عظامًا يابسة من موتى بني إسرائيل. وأن يناديها باسمه تعالى. فجعلت تتقارب ثم كسيت لحمًا. ثم نادى أرواحها فعادت إلى أجسامها واستووا أحياء على أقدامهم بأمره تعالى. وهم جيش كثير جدًا. وأوحى إلى حزقيل أنهم سيعودون إلى وطنهم بعد أن أجلوا عنه. وهذه القصة مبسوطة في توراتهم في الفصل السابع والثلاثين من نبوة حزقيل.
وممن روي عنه أنه عني بهذه الآية نبأ حزقيل، وهب بن منبه وأشعث بن أسلم البصري والحجاج بن أرطاة والسدي وهلال بن يساف وغيرهم. أخرجه عنهم ابن جرير. فإن صحت هذه الرواية يكون ذلك من معجزات حزقيل في إحياء الموتى له، كما أحيي لعيسى عليه السلام. فيرى قومه ما لا ييأسون معه من جهاد عدوهم ليسترجعوا وطنهم الذي أجلاهم عنه عدوهم، لأن حزقيل كان فيمن أجلي إلى بابل. قالوا ونبوته تتضمن القضاء المنزل على بني إسرائيل وبشرى السلام الذي يعقب ذلك القضاء. وقد نقل ابن كثير عن عطاء أنه قال في هذه الآية: إنها مَثَلٌ. ولعل مراده: أنها مثل في تكوينه تعالى أمة قوية تقهر وتغلب وتسوس غيرها بعد بلوغها غاية الضعف والخمول. فكان حياتها وموتها تمثيلًا لحالتيها قبل وبعد. فيكون إشعارًا بما ستصير إليه العرب من القوة العظيمة والمدنية الفخيمة، وتنبيهًا على أن الوصول إلى ذلك إنما يكون بجهاد الظالمين واتفاق المتقين على دحر المتغلبين الباغين والله أعلم.
ثم إنه لا خفاء في أن ما قص من حوادث الإسرائيليين كان معروفًا في الجملة لمخالطة اليهود للعرب في قرون كثيرة.
قال ولي الله الدهلوي في الفوز الكبير: واختار سبحانه في تنزيله من أيام الله، يعني: الوقائع التي أحدثها الله سبحانه وتعالى: كإنعام المطيعين وتعذيب العصاة، ما قرع سمعهم. وذكر لهم إجمالًا مثل قصص قوم نوح وعاد وثمود. وكانت العرب تتلقاها أبًا عن جد، ومثل قصص سيدنا إبراهيم وأنبياء بني إسرائيل فإنها كانت مألوفة لأسماعهم لمخالطة اليهود العرب في قرون كثيرة، وانتزع من القصص المشهورة جملًا تنفع في تذكيرهم. ولم يسرد القصص بتمامها مع جميع خصوصياتها. والحكمة في ذلك أن العوام إذا سمعوا القصص النادرة غاية الندرة، أو استقصى بين أيديهم ذكر الخصوصيات، يميلون إلى القصص نفسها ويفوتهم التذكر الذي هو الغرض الأصلي فيها. ونظير هذا الكلام ما قاله بعض العارفين: إن الناس لما حفظوا قواعد التجويد شغلوا عن الخشوع في التلاوة. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الموت فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}.
المقصود من هذه الآية الكريمة، تشجيع المؤمنين على القتال بإعلامهم بأن الفرار من الموت لا ينجي، فإذا علم الإنسان أن فراره من الموت أو القتل لا ينجيه، هانت عليه مبارزة الأقران. والتقدم في الميدان. وقد أشار تعالى أن هذا هو مراده بالآية حيث أتبعها بقوله: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله} [البقرة: 190] الآية وصرح بما أشار إليه هنا في قوله: {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ الموت أَوِ القتل وَإِذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلًا} [الأحزاب: 16] وهذه أعظم آية في التشجيع على القتال. لأنها تبين أن الفرار من القتل لا ينجي منه ولو فرض نجاته منه فهو ميت عن قريب، كما قال قعنب ابن أم صاحب:
إذا أنت لاقيت في نجدة ** فلا تتهيبك أن تقدما

فإن المنية من يخشها ** فسوف تصادفه أينما

وإن تتخطاك أسبابها ** فإن قصاراك أن تهرما

وقال زهير:
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ** تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم

وقال أبو الطيب:
وإذا لم يكن من الموت بلد ** فمن العجز أن تكون جبانا

ولقد أجاد من قال:
في الجبن عار وفي الإقدام مكرمة ** والمرء في الجبن لا ينجو من القدر

وهذا هو المراد بالآيات المذكورة، ويؤخذ من هذه الآية عدم جواز الفرار من الطاعون إذا وقع بأرض وأنت فيها، وقد ثبت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الفرار من الطاعون وعن القدوم على الأرض التي هو فيها إذا كنت خارجًا عنها.
تنبيه:
لم تأت لفظة ألم تر ونحوها في القرآن مما تقدمه لفظ ألم، معداة إلا بالحرف الذي هو إلى. وقد ظن بعض العلماء أن ذلك لازم والتحقيق عدم لزومه وجواز تعديته بنفسه دون حرف الجر، كما يشهد له قول امرئ القيس:
ألم ترياني كلما جئت طارقًا ** وجدت بها طيبًا وإن لم تطيب

اهـ.